انضم أنس الذي يبلغ من العمر 13 عاماً إلى برنامج الرعاية النفسيَة الاجتماعية في منتصف شهر أذار 2018، تم اختيار أنس ومجموعة أخرى من الأطفال مع مرشد المدرسة، فكانت ملاحظات المرشد أن وضع الأسرة المادي لأنس ليس جيداً بسبب تعرض الأب لكسور وتسببت بتعطيله عن العمل، ويحاول دائماً لفت الانتباه، ويلاحظ عليه بعض السلوكيات غير مرضية، مثل: تكرار التأخير الصباحي للدوام المدراسي. وبموافقة أهل أنس انضم إلى مشروع برنامج الرعاية النفسية الاجتماعية.
ففي الجلسات الأولى وضع الأطفال تعهدات للجلسة، وكان أنس متوتراً بعض الشيء ثم أصبح ينخرط في الجلسة شيئاً فشيئاً، وشارك الأمور التي لا يرغب أن تحدث معه بالجلسة ” ما بدي حدا يضربني، ما بدي حدا يستهزء عليَ”. ومع بداية أنشطة الوحدة الأولى من برنامح الرعاية في وحدة (لغة الصورة) كان أنس مستعداً للجلسات حاضراً بالمشاركة في الأنشطة، حيث كان تفاعله مع زملائه بالأحاديث الجانبية والثرثرة المزعجة بعض الأحيان، وتشتيت زملائه الأخرين، فكانت أولى مشاركاته أنه اختار صورة الكرسي المتحرك، وقال إن أخيه من ذو الإعاقة وأنه يحبه ويشعر بالسعادة عندما يشاركهُ اللعب. وفي الجلسة الثانية لوحظ على أنس بعض السلوكيات التي أثرت على سير الجلسة كان يقاطع زملائه بشكل متكرر، مثل: الحركة الزائدة، والاستهزاء من زملائه في بعض الأحيان. وقام باختيار صور طفل يعنف طفل أخر وقال: ” ما بحب أشوف ولد بضرب ولد ثاني، لإنه كثير في أولاد بالمدرسة بضربوني، وبستهزأوا على أخوي لما يكون على الكرسي المتحرك”. وفي تشكيل القصص الجماعية كان يعطي اقتراحات لزملائه، وبعض الأحيان يحاول فرض رأيه عليهم، وإلا أنه بادر في عرض القصة على المجموعات الأخرى.
وباستمرار وحدات البرنامج وصولاً إلى (وحدة الرسم) التي تتكون من ثلاث جلسات، وبجلسة الرسم الأولى بادر أنس بالمشاركة، ورسم على ورقته جنود الاحتلال، وشخص خلف القضبان، وقال في العرض بتوتر وتردد:” أكثر اشي بغضبني لما أشوف جنود لأنه بتذكر خالي إلى بالمعتقل وقت ما اعتقلوا كنت في دار سيدي نايم وما كنت أعرف شو راح يصير في بعد الاعتقال وانصدمنا بخبر مدة اعتقاله 17 سنة”. ورفض أن يرسم الشيء الذي يسعده.
وفي جلسة الرسم الثانية كان كعادته كثير الحركة والثرثرة، ورسم بطله الخارق، شخصية المصارع جون سينا وقال بالعرض: ” جون سينا عنده قوة الدفاع عن حاله وهو بطلي الخارق بيساعدني أدافع عن حالي لما صحابي يضربوني، وبدافع عن أخوي لما طلاب المدرسة يضحكوا عليه لإنه معاق”.
وفي جلسة الرسم الثالثة عبر أنس عن الموقف الذي لا يستطيع أن ينساه بالتفاصيل قائلاً:” كان عرس ابن خالي ومجتمعين بأريحا بالعرس ومبسوطين وفجأة حكولنا إنه سيدي توفى، والكل صار يصرخ ويعيط، وكان خالي بده ينتحر بس ستي منعته” كان أنس بكامل إدراكه لمشاعره، وساعده إبن خالته في الجلسة بترتيب أحداث هذا الموقف، وبختام جلسة الرسم الثالثة حول الحلم قال أنس بابتسامة:” حلمي أخوي يصير يمشي على رجليه وما يحتاج وسيلة مساعدة”.
وتتسلسل أهداف برنامج الرعاية بتشكيل ورشة تدريب أهالي الأطفال لنشر برنامج الرعاية وتبادل المعلومات عن الأطفال مع الأهالي وتعميق فهم الأهالي للبرنامج، وطرق التعامل مع أطفالهم الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة. نفذت الورشة على أربع أيام و كان أهل أنس ملتزمين في الدوام، تواجدت أمه و جدتاه و شاركتا في التعبير عن مشاعرهن في تطبيق أنشطة المشروع، و قالت والدة أنس :” أنس كثير تغير من طفل خجول و متردد، لطفل يعبر عن مشاعره بعمق، وفي البيت ما كانت أسمعه بحكي عن مشاعره، ومشاكله بهذا الوعي ، كما أن أنس كان عنده حركة و فوضه و عنف و تيجي شكاوي عليه من المدير، هلأ أنس بواجه مشاكله بطريقة إيجابية ، وما بفكر يإذي حدا ، كما أنه يعتمد عليه بالبيت بمساعدة إخوته، و بالذات أخوه الذي يعاني من اعاقة حركية، و ينفذ معه الأنشطة الي بتعملوها في البرنامج ، و هذا أثر على أخوه بطريقة إيجابية” .
هكذا استكمل البرنامج جلساته (لوحدة الملتينة)، وثم (وحدة الديوراما) المكونة من خمس وحدات التي إلتزم بها أنس بالتعاون وحب المبادرة، وتشجيع زملائه في إتمام مدينتهم المثالية، وفي التدريب على العرض، تحدث عن حديقة الحيوانات التي شكلها في مدينتهم بالتفصيل، فكان أنس واثق بنفسه وصوته مرتفع مقارنه مع الجلسات السابقة.
وعند الانتقال (لوحدة الموسيقى) التي أكدت التغير على شخصية أنس بوضوح بأربع جلسات ممتالية، كانت مشاركته فعالة في تفريغ كلمات الأغنية في الجلسات الأولى، وفي البدء في تدريب على الغناء وضع يداه على فمه قليلاً ثم أكمل لوحده ينطلق بثقة، وبصوت مرتفع يغني ليشجع زملائه على الغناء فكان لديه اتصال بصري واضح مع الجمهور، ويدرك كيف يواجه العالم بكلماتهم الغنائية ليخرجوا ما بداخلهم.